• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حادث نيوزيلندا: احتواء الكراهية والتطرّف باللاعنف

باسم حسين الزيدي

حادث نيوزيلندا: احتواء الكراهية والتطرّف باللاعنف

في محاولة لفهم مسبّبات الحادث المأساوي الذي وقع في نيوزيلندا منتصف شهر آذار/مارس أثناء صلاة الجمعة وراح ضحيته العشرات من المسلمين، بينهم أطفال ونساء، تداخلت الأفكار المتطرّفة والسياسية والاقتصاد والإيديولوجيات المتنافرة وحتى نظريات المؤامرة في خلطة غريبة لكنّها طبيعية في هكذا أحداث مؤثرة قد تغير أو تحدث تأثيراً واضحا في مسار المستقبل على المستوى العالمي.

في الوقت الذي ينظر إليه البعض على أنّه تصرف عنصري فردي من شخص متطرّف فكرياً، يرى آخرون أنّه «ليس وليدة تنظيم سياسي متكامل، وإنّما وليدة مجموعة عنصرية تغذت على رفض المسلمين وكراهيتهم»، خصوصاً في ظل وجود «تعبئة ممنهجة ومدروسة يقودها اليمين المتطرّف والمنظمات الغربية المتشدّدة تجاه العرب والمسلمين»، كما إنّ هناك مَن يربط ما جرى بأسباب اقتصادية بحتة حيث ازدادت معدلات الكساد والبطالة ومنافسة المهاجرين القادمين إلى أوروبا للغربيين في سوق العمل، بينما لا يستبعد آخرون وجود أجهزة استخبارية أو دول غربية أو منظمات عالمية تقف خلف هكذا أعمال إرهابية.

موجة من الكراهية

الخوف من مستقبل مليء بالكراهية والتطرّف والتعصب والجهل هو ما يركز عليه عقلاء العالم، فالضرب على وتر الكراهية من خلال العنف والتطرّف سيهدد أو سيضرب في نهاية المطاف الانسجام والتعايش السلمي بين المجتمعات البشرية، وبالتالي سيؤثر على كلّ القيم الإنسانية المشتركة والضوابط التي تسهّل حركة التفاهم السياسي والاقتصادي والثقافي والسياحي والديني بين هذه المجتمعات لانعدام الثقة فيما بينها أو بسبب ضياع هذه القيم الضابطة أو زوال المشتركات الجامعة لها.

الدكتور أسعد شبيب كاظم يشير إلى هذا الأمر بالقول: «إنّ هذا الاعتداء ما هو إلّا نتيجة لموجة الكراهية والتعصب الديني الذي ضرب العالم في العقد الأخير من هذا العقد، فإنّه افتراض عملي لما راهن البعض عليه من أنّ التطرّف الأصولي (الديني-الديني)، و(الإيديولوجي-الإيديولوجي) قد ينتشر بصورة يضرب قيم التعايش السلمي بين المجتمعات».

لكنّه يرى أنّ الأمر لم يصل إلى حدِّ الانفجار على اعتبار أنّه «إلى الآن لم يعد هذا الشكل من العنف بالرغم من توظيفاته الدينية والإيديولوجية شكلاً من التصادم الحضاري لكونه في الأغلب هي حوادث فردانية ممقوتة من قبل أغلب الناس وهذا ما لاحظناه من حجم التضامن الذي أبداه الغربيون بشتّى ديانتهم ومنظوماتهم الفكرية والحضارية».

اللاعنف ضد العنف

لقد حذّر المرجع الراحل السيِّد محمد الشيرازي قبل عشرات السنين من عالم مليء بالعنف والقسوة بالقول: «إنّ ما يثير الدهشة هو أنّ صورة العنف أصبحت أكثر شدة وضراوة، وكذلك أكثر تكراراً»، وقد دعا إلى اعتماد «مبدأ اللاعنف» كطريقة حياة بين المجتمعات البشرية عبر صياغة نظرية متكاملة تحمل جوهر الإسلام الحنيف بتعاليمه السماوية الخالدة للإنسانية جمعاء باعتبارها أنجح الطُّرق وأقصرها لتحقيق السلام ونشر التسامح واللاعنف عبر رسالته السلمية التي حثت على اللين والرحمة ونبذ القسوة والتحلي بالأخلاق السامية والنبيلة حتى مع الأعداء، ونشر السلام ونبذ العنف مهما كانت الغاية.

وقد أوضح السيِّد محمّد الشيرازي بأنّ: «أوّل دُعاة السلم هو الدِّين الإسلامي إذا أخذنا بنظر الاعتبار دعوته إلى اللاعنف كإستراتيجية لها قواعدها وأصولها وتنظيرها الخاصّ بها»، كما إنّ: «الإسلام ينبذ العنف والقسوة والإرهاب قولاً وفعلاً، وقد دعا إلى اللاعنف كبديل لحلول ما يواجه الأُمّة من أزمات ومشاكل ومصاعب»، مؤكداً: «أنّ منطق الرُّسل والأنبياء هو منطق السلم واللاعنف والاحتجاج العقلاني من أجل إنقاذ البشرية حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم حول استخدام السلم واللين وسياسة العفو والاعتماد على منهج الشورى كإسلوب للإقناع الحرّ والحوار السلمي والمشاركة في اتّخاذ القرار: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)».

وفي معرض رده على بعض المسائل الفقهية يقول السيِّد الشيرازي: «يحرّم الإسلام الغدر والاغتيال والإرعاب وكلّ ما يُسمّى اليوم بالعنف والإرهاب فإنّه لا عنف في الإسلام ولا يجوز أي نوع من أعمال العنف والإرهاب الذي يوجب إيذاء الناس وإرهابهم والغدر بحياتهم أو المؤدّي إلى تشويه سمعة الإسلام والمسلمين».

الخلاصة

بالتأكيد إذا استمعنا الى صوت العقل والمنطق فسنعرف أنّ الكراهية والعنف والتعصب لن تستثني أحداً من نارها، فهي ستحرق الجميع، وستنعكس آثارها السلبية على الجميع، شعوباً ودولاً وأفراد ومنظمات... إلخ.

وبالمنطق أيضاً وحتى لا يتحوّل العالم إلى حلبة لصراع الأفكار والعنف اللساني والقلبي وربّما الجسدي المباشر (كما وقع في حادث نيوزيلندا) ينبغي على الإنسانية أن تختار سبيل اللاعنف لحل جميع الخلافات الدينية والثقافية فيما بينها، والاعتماد على القواسم المشتركة بدلاً من البحث عن نقاط الخلاف، ويمكن ذلك من خلال اعتماد جملة من الوسائل:

1- الاتفاق على نبذ ومحاربة الأفكار المتطرّفة التي تدعو إليها المدارس والمذاهب (السياسية والدينية) بمختلف انتمائها وتوجهها واعتبارها في خانة الإرهاب العالمي.

2- تدعيم سُبُل الحوار بين الشعوب والحضارات والثقافات والديانات والبحث عن المشتركات الإنسانية فيما بينها لتعزيز النسيج القيمي المعتدل بين المجتمعات الإنسانية.

3- تعزيز مبدأ اللاعنف واعتباره الأساس في التعاطي بين شعوب العالم بدلاً من السماح للأفكار المتطرّفة أن تشغل هذا الحيز.

4- حل المشاكل المتعلقة بالمهاجرين وفرص العمل والتعايش السلمي وقبولهم ضمن المجتمعات الغربية وفق برنامج عالمي تشترك فيه الدول والمنظمات العالمية.

5- إقامة برامج مشتركة، (ثقافية وفكرية متنوّعة)، بين مختلف منظمات المجتمع المدني في مختلف دول العالم برعاية أُممية من أجل تبادل الأفكار والتعرّف على الآخر وفهمه ودعم أسلوب التحاور ونبذ العنف.

ارسال التعليق

Top